أحبتي في الله ..إن الحديث عن الجنة يحرك القلوب إلي أجل مطلوب .عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ( يقول الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) ثم تلي النبي قول الله عز وجل : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
فتعالوا بنا أحبتي في الله لنعيش في هذه اللحظات المباركة في هذا اليوم الكريم المبارك مع وصف الجنة من كتاب ربنا وسنة الحبيب نبينا أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة إنه ولى ذلك والقادر عليه .
أحبتي في الله :إن الذي يصف لنا الجنة هو خالقها .. من غرس كرامتها بيده سبحانه وتعالي ..قد وصفها لنا في كتابة العزيز ، ووصفها لنا صفيه من خلقه وحبيبه يصفها لنا كما رآها بعينه فانتبه معي أيها الحبيب واسمع كلام من غرس كرامتها بيده جل وعلا .
قال سبحانه : مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (الانسان:5-22)
أحبتي في الله هذا بعض كلام من غرس كرامتها بيده عز وجل ، فماذا قال من رآها بعينه ؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟
قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، ومن يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ))
هذا بناؤها كما وصفه من رآها أما عن غرفها وقصورها . قال الله تعالي : لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ قال رسول الله : (( إن في الجنة لغرفاً يُرى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها )) فقام إعرابي فقال : يا رسول الله لمن هي ؟ قال : (( لمن طَّيب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلي بالليل والناس نيام )) وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى أن رسول الله قال : (( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدُّرِّىّ ))
وعن أنس بن مالك أن النبي قال : (( أدُخلتُ الجنةَ فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا لشاب من قريش ، فظننت أنى أنا هو ، فقلت : ومن هو ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ))
وفى الصحيحين من حديث عبد الله بن أبى أوفى وأبى هريرة وعائشة : (( أن جبريل قال للنبي (( هذه خديجة ، أقرئها السلام من ربها ، وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ( القصب ههنا قصب اللؤلؤ المجوف ) لا صخب فيه ولا نصب ))
أما أشجار الجنة وبساتينها وظلالها . قال تعالي : وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُود ٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (الواقعة:27-33)
وقال تعالي : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن:68) وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال : (( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرأوا إن شئتم (( وظل ممدود))
أما إن سألت عن أزواج أهل الجنة يأتيكم الجواب من رب الجنة جل وعلا : فقال سبحانه :
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (الرحمن .. هذه هي زوجتك من الحور العين في الجنة أيها المؤمن الصادق . قال رسول الله : ((ولو أن امراءة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً ، ولنصيفها ( يعنى : خمارها ) على رأسها خير من الدنيا وما فيها )).. الله أكبر ..
وقال رسول الله : (( … ولكل واحد منكم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشياً ))
أما زوجتك في الدنيا ، زوجتك المؤمنة التقية الطاهرة العفيفة .
أما زوجتك إن كانت من أهل الجنة .. استمع .. اعلم أن الزوجة المؤمنة من أهل الدنيا يكون جمالها في الجنة يفوق جمال الحور العين وأنتم سمعتم وصف الحور العين .. فأي حال ستكون عليها زوجتك إن كانت من أهل الجنة ؟!
يفوق جمالها جمال الحور العين !! لماذا ؟ لأنها هي التي صامت لله ، وقامت لله ، وهى التي حاربت الشهوات ، وصبرت على الأذى والبلاء فاستحقت من الله أن يكافئها .
قال تعالي : إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً (الواقعة:35-37)
وفى الصحيحين من حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه ، عن النبي قال : (( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً ، فيها أهلون ( يعنى زوجات ) يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً ))
أحبتي في الله . هذه هي الجنة .. والحديث عن الجنة طويل وكل ما سمعتموه اليوم إنما هو قطرة من محيط وإنما هو قليل من كثير لماذا ؟ لأن الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
الخطبة الثانية :
أحبتي في الله .. إن نعيم الجنة لا يحده حدود أحبتي في الله :اعلموا علم اليقين إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها ولا في خمرها ولا في حريرها ولا في عسلها ولا في بناءها ولا في قصورها ولا في صورها ولكن نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (القيامة:22-23) وقال تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ والزيادة هي التمتع بالنظر إلى وجه رب الجنة جلا وعلا.
يقول ابن القيم رحمه الله : من رواية جرير وصهيب وأنس وأبى هريرة وأبى موسى وأبى سعيد .
فاستمع يوم ينادى المنادى ؟ : يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحَىَّ على زيارته ، فيقولون : سمعاً وطاعة ، وينهضون إلى الزيارة مبادرين ، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً . وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحداً ، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ، وجلس أدناهم – وحاشاهم أن يكون فيهم دنيء – على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم العطايا ، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم ، نادى المنادى : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ .
فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جلا جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال : يا أهل الجنة سلام عليكم ، فلا تُرد هذه التحية بأحسن من قولهم : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .
فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول : يا أهل الجنة ، فيكون أول ما يسمعون منه تعالى : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ؟ فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة : قد رضينا فارض عنا ، فيقول : يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي ، هذا يوم المزيد فاسألوني . أ . هـ .
فيا أيها الأحبة الكرام : هذا قليل من كثير عن الجنة لأنه لا يعلم حقيقة الجنة إلا ربها وإلا من رآها بعينيه فألا من مشمر للجنة ؟ من منكم سيشمر عن ساعديه ليفوز بهذه العروس الغالية (( إلا إن سلعة الله غالية إلا إن سلعة الله الجنة )) يا من تطلبون الجنة بغير عمل .. يا من تطلبون الجنة بغير صلاة ..
يا من تطلبون الجنة بغير قيام الليل .. يا من تطلبون الجنة وأنتم على معصية الله جل وعلا.. يا من تطلبون الجنة بالذنوب والشبهات والشهوات ..أين أنتم من الطاعات ؟أين أنت من قيام الليل لرب الأرض والسموات ؟أين أنتم من قراءة القرآن ؟أين أنتم من عمارة بيوت الله عز وجل ؟أين أنتم مما يقربكم إلى الجنة ؟
انتبهوا واعلموا فإنه ما أقل حياء من طمع في جنة الله ولم يعمل بطاعة الله ولا بشرع رسول الله
إن طالب الجنة لا ينام .. إن طالب الجنة لا ينام .. إن طالب الجنة لا ينام
واعمل لدار غدٍ رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن مصفى ومن عسل والخمر يجرى رحيقا في مجاريها
والطير تجرى على الأغصان عاكفةً تسبح الله جهراً في مغانيها
فمن يشترى الدار في الفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها
فيا من تطلبون من الله الجنة .. ويا من تسألون الله الجنة .. اعلموا أن الإيمان ليس بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل . فلن نفوز بالجنة إلا إن عملت بعمل أهل الجنة .